Share This Article
“ من راحوا لسه اني اصب ماعونين أكل على السفرة الهم , أرواحهم متعوفني وتأكدت من صبيت أول ماعونين ونزلت حمامتين يم السُفرة , ويلادي وياية ”
هكذا تحدثت أم لشهيدين قضوا نحبهم في معارك جرف الصخر في جلسة للأمهات وهن يناقشن تحديات التربية عقب مرور أسابيع من حضورها لهذه التجمعات كطريقة توفر فيها احدى المنظمات الدعم النفسي الجماعي لعدد من الأمهات . حيث كانت الأم و أنا وبقية الأمهات متأكدات أنهم “شهداء” أما جدتي المسكينة فأبنائها لا يتمتعون بهذا التأكيد.
فلتعاسة حظي قُدر لي أن أدرب على الكتابة الابداعية لجمع من اليافعات مؤدلجات أدلجة موالية لإيران من الطراز الرفيع عبر مدارسهن الدينية , قالت لي أحداهن أنها تهوى الكتابة عن أسرى و شهداء الحرب العراقية – الايرانية وخلت أنها تقصد الشهداء العراقيين فقالت “ لالا ذولة قتلى” من فئة باغية آني أقصد الشهداء الإيرانيين ” عرفت لاحقاً أنها كونت هذا الاصطفاف السياسي والعقائدي بسبب القراءة المكثفة للأدب الإيراني الإسلامي, ومن المستفز أن والدتها التي شهدت الحرب بالتأكيد بحكم عمرها كانت على مقربة منها تفتخر بهواية أبنتها وتوجهاتها وترسم على وجهها ابتسامة العارف بالحقيقة .
لتعاسة حظي قُدر لي أن أدرب على الكتابة الابداعية لجمع من اليافعات مؤدلجات أدلجة موالية لإيران من الطراز الرفيع عبر مدارسهن الدينية
تذكرت جدتي التي عاشت آخر ٣٠ سنة من حياتها تنتحب أطياف موهومة تتجول في البيت , تتناوب التواجد حولها كانوا ظلال أخوالي الذين فقدتهم في الحرب دفعة واحدة . سرعان ما خطر لي منظر عينيها وهي تلاحق تلك الظلال ملاحقة مخنوقة مكتومة كي لا ينظر لها أحد على أنها مجنونة, وتبادر اليّ فوراً صور أمي وهي تصحبنا معها إلى المقبرة من أجل الزيارة الدورية لأخوتها ونحن نمرّن ألسنتنا على قراءة شواهد القبور بينما هي تأخذ وقتها الكافي لمعاتبتهم على الرحيل المبكر جاثية على ركبتيها .
كُل من هنّ في مخيلتي من الأمهات المكلومات بفقد أو تغييب لأولادهن وسواء كنّ أمهات ثكلى أو مطلقات مسلوبات حق الحضانة كن محتسبات ,منتظرات حتفهن من أجل ملاقاة الأحبة ومنشِدات لأتعس الدارميات والنواعي والبكاء دون دموع وصراخ ,مستسلمات لقدر إنتزاع أولادهن من بيوتهم الآمنة دون السؤال لماذا ودون معرفة المصير , لم تأتِ في مخيلتي من رفضن تسيّس أمومتهن واستغلالها رفضاً صارخاً غاضباً متحدياً السلطة والقمع من منطلق بعد خسارة الأولاد لا شيء بعدها يصنف خسارة او كما قالت ام الشهيد مهند القيسي ( اني من مات مهند صرت ميت ناطق) .
وإذا كانت جدتي تنتظر لقائهم في الجنة فإنها المكان غير الأكيد الآن بعد أن غيرنا موقعهم بتغير السلطة ومن الممكن أن تأتي سلطة لا ترى شهداء مجزرة سبايكر شهداء بل متخاذلين.
وهكذا هي الأمومة السياسة المنحدرة من الأعلى تتغير بتغير السلطة ولكن هل ستظل الأمومة البيولوجية عاجزة عن إدارة هذا التغيّر والتلاعب بها بمعزل عن الأمومة السياسية النابعة من الأسفل من قواعد الامهات ؟
ستظل تهطل من أعلى عبر التوجه الحكومي لشكل الامهات ودور الامومة بشكل مثالي؟ كالماجدات العراقيات التي مثلت الأمومة السياسية السلبية كون الأمهات فيها معدات إنتاج بيولوجية وثقافية للأمة التي تصور النساء ماكينات أنجاب عساكر تحميهن عبر الدولة ونظامها العسكري وتصويرهن على أنهن مهددات بسلب الشرف ويحتجن إلى حماية كما حدث أثناء وعقب حرب ٢٠١٤؟
والأمومة السياسية عملية تستخدم فيها امرأة أو مجموعة نساء شخصية الأم للمطالبة بمطالب نيابة عن أبنائهن وبناتهن من أجل تغيير اجتماعي كأمهات السبت في اسطنبول , اي استخدام أدوارهن الاجتماعية أو أمومتهن لغرض سياسي ,عبر عدة أساليب وهذه التنظيمات بفعلها السياسي فهي تكوّن الهوية الأمومية الجماعية السياسية كون المطالَبات تتمحور حول الأطفال وحقوقهم و نستطيع أن نتكلم عن الأمومة السياسية ما دام هناك مجال من أجل مكانة دائمة في المجال العام ومن أجل المطالبة بالتغيير السياسي الذي يخدم مصلحة الأطفال.
وسياسياً تصنف مجاميع الأمهات تلك ضمن مجموعات الضغط , فالقدرة على إبداء رد فعل سياسي لا يتعلق دائما بتشكيل الأحزاب والوصول للسلطة كما يعتقد الكثيرون بل من الممكن تكوين هذا الرد من خلال مجموعات الضغط السياسي مثلاً وهي بجوهرها وتنظيم هياكلها لا ترغب بتسلم السلطة والحكم كما هو هدف الأحزاب السياسية بل هدفها الحصول على منافع مادية أو معنوية لفئات معينة . وتقريباً تتواجد مجموعات الأمهات في الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية حيث وجدت فيها الأمهات الطريقة للمطالبة بأولادهن وحقوقهم دون أن تساهم في توهم السلطة أنهن يرغبن بانتزاع الحكم منها, كأمهات رابطة أمهات ميدان مايو التي واجهت القيود التقليدية المفروضة على المرأة والأمومة. هي رابطة أمهات أرجنتينية اللاتي اختفى” أطفالهن أثناء الحرب القذرة الدكتاتورية العسكرية، بين ١٩٧٦ و١٩٨٣. قامت الأمهات بتنظيم أنفسهن أثناء محاولتهم معرفة ماذا حدث لأطفالهن، وبدأت المسيرة في عام ١٩٧٧ إلى ميدان مايو في بوينس آيرس، أمام قصر كاسا روسادا الرئاسي، في تحدي علني لإرهاب الدولة الحكومي الذي يهدف لإسكات جميع أشكال المعارضة.
فمن أجل الحصول على العدالة وتكوين استراتيجيات تشرك الأمهات في التعامل مع القضايا التي يكون للأمهات فيها بعد شخصي وليس عام استناداً إلى فهم خصوصية وفردية كل تجربة أمومة , من خلالها تستطيع الأمهات أن تتعرف على بعضها بعض و تلتحم في قضاياها و مظاليمها لغرض حلها والتعافي منها او الوقاية من التعرض إليها .
ومن الجدير بالذكر أن المجموعات النسائية بشكل عام لعبت دوراً حاسما في حركة حقوق الإنسان، وفي السعي وراء العدالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, تحركّن في البلدان التي ترفض عادةً الاعتراف بقدرة النساء ما عدا دورهن كأمهات وزوجات وبنات , بعضها كان تنظيم وقتي كالتذكير المرئي بالاختفاء القسري للفتيات في المكسيك ورسم الصلبان أو رسم اللوحات الجدارية أو المسيرات أمام المحاكم من الأمهات .
أن نشاط الأمومة ليس دائماً تجربة بيولوجية بحتة بل عامة جماعية وتحديداً عندما يتواجد سبب مشترك للألم والتفاعل والاحتجاج بين الأمهات المختلفات, ويشهد التاريخ النسوي أنها عادة ما تبدأ بغضب من عنف شديد أياً كان نوعه من الأمهات والجدات لصالح الأطفال وينتهي بتحوله إلى هيكل سياسي ذي فاعلية وأنشطة مثل نساء حداد ايران ضد الاختفاء القسري والعسكرة والإفلات من العقاب وضد قمع الدولة لهن, فتخرج من المجال الخاص للعام وتحدث تأثيراً في المجال و الخطاب السياسي , أي يتحول النشاط من عرضي إلى تحويلي , أي أنها دفاعية أو ردة فعل تجاه أنتهاك أدوار تقليدية للأمهات ولكنها تتطور لاحقا , إلى الدرجة التي تُقلِق السلطة, فنساء الحداد الإيرانيات من الأمهات شكلن تهديداً لا ترغب السلطات به و تم اعتقالهن وملاحقتهن قضائياً بتهمة تأسيس منظمات غير قانونية وعلى الرغم من مساندة النشطاء ومنظمة العفو الدولية ألا أن السجن والأحكام القضائية كانت بأنتظارهن .
تعتبر الأمومة السياسية ثورية تماماً من حيث التقاليد والمواجهة والمكانة أمام القمع, بالقدر الذي يجعل إمكانيات قيامها في مجتمع كالمجتمع العراقي صعباً , شئنا أم أبينا ومجموعات الضغط تحتاج إلى بيئة ديمقراطية نسبية لكي تعمل عليها لا أن تدفعها إلى التهلكة والتلاشي, فمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية نراها واضحة مثل منظمة ذا موذر لاك الامريكية التي تعمل من أجل إيصال مرشحين يضمنون العدالة العرقية والجنسانية والاقتصادية للأمهات السود ومقدمي الرعاية ومتابعتهم وهي مجموعة لجان شعبية و تجمع صحة الامهات السود في الولايات الذي تأسس عام 2019 بسبب وفيات الأمهات أثناء الولادة وخاصة بين النساء السوداوات .
وعند فحص مشاركة النساء وتحديداً الأمهات منهن في المساهمة برسم شكل السياسة العراقية الحالية نجد ومنذ أعتلاء حزب البعث الحكم وإلى الآن تكونت صورة مشوهة عن فعل التحزب في المخيال العراقي الشعبي ولا أعتقد أنها قابلة للإصلاح كفعل شبه أوحد في الدخول لمجال السياسة وإحداث تغييرات فعلية , ولاسيما بعد تسنم احزاب الأسلام السياسي السلطة عقب عام ٢٠٠٣ ,وتحديداً للنساء , ففعل حضور الاجتماعات والتجول في أروقة مقر حزب لا تزال تصنف كوصمة . علماً إن تأثير الاعتبارات الاجتماعية للأحزاب من حيث الموقف العام والممارسات الداخلية على التمكين السياسي للمرأة والحساسية المتجذرة لدى نساء المجتمع العراقي ضد التحزب او الأنضمام الى تكتل سياسي أفقي أو حتى هرمي , أضعفهن أكثر مما تطمح السلطة وظلالها من المليشيات , و “إدراك” وجود المطالبين ضمن مجموعة متنامية يحميها ويخيف خصومها أفضل من تركهم بمفردهم واضحين لخصومهم أدراك ضروري.
عند فحص مشاركة النساء وتحديداً الأمهات منهن في المساهمة برسم شكل السياسة العراقية الحالية نجد ومنذ أعتلاء حزب البعث الحكم وإلى الآن تكونت صورة مشوهة عن فعل التحزب في المخيال العراقي الشعبي
فعلى الرغم من ارتفاع نسبة مشاركة النساء السياسية المحتفى بها لكن هذه المشاركة المقصود بها التمثيل السياسي في البرلمان وليس على صعيد التحزب فأكثر المرشحات عن الأحزاب وصلن بسبب رغبة الأحزاب بالاستفادة من الكوتا بدلالة تبعيتهن السياسية وعدم فاعليتهن تجاه قضايا النساء مقارنة بأعدادهن . لذلك ظلت الأمومة السياسية للنساء العراقيات لفترة طويلة منزلقة من الأعلى متمثلة بأستخدام نظام صدام حسين للدور البيولوجي والرعائي الذي تقوم به الأمهات من أجل حروبه العبثية, أما رغبته لامتصاص غضبهن تكفل بها الدين الأيديولوجي بشقيه الشيعي والسني واحتساب الشهداء خالدين وسعداء وأفضل ممن عاشوا, وهذا كان كفيل بتصبيرهن على العيش بدون أولادهن وقضاء العمر بلا سماع أصواتهم ليكتفين بالظلال التي تراها جدتي والحمام الذي تراه السيدة التي روت لنا قصتها لتعود الى صمتها ثانية.
وعندما اندلعت الحرب على داعش لم يعتمد النظام الجديد سياسة للتعامل مع غضب الأمهات بسبب الفقد, خلاقة أكثر من نظام حزب البعث بل مجرد أضاف لها المسحة الدينية/ الطائفية المركزة, والنتيجة واحدة هن ايضاً محتسبات على أولادهن صابرات على فقدهم و جاعلات منهم حامين أعراض أخواتهم من السنة واستحقوا الشهادة بجدارة عن حرب كاريكاتورية ,المنتفعين منها وقادتها أحياء وأولادهن يسمعون حسيسهم بغيض مكتوم تحت الأرض . أن قبول تصوير الأم القوية على أنها الأم المتقبلة لا الرافضة والغاضبة من أجل مصلحة أطفالها هو قبول مرضي يُسَكن الآلام لا يعالجها .
الأمومة السياسية الأيقونية
لم يخبر المجتمع العراقي التنظيم السياسي الوافد من الاسفل ولأي غاية أو فئة كانت , فمثلا طبيعة العشائر تجعل من اختيار الرؤساء او الشيوخ ليس من حق الجميع , ونقاش قضايا العشيرة ايضاً ليس من حق الجميع بالرغم من توفير الجانب المكاني المرحب شكلياً بالجميع وهو المضيف ألا أن حق المناقشة والكلام وإبداء الرأي وإتخاذ القرارات ليس من حق الحاضرين بل من يمتلك وزنا مادياً واعتبارياً , وما بعد تأسيس الدولة العراقية ظلت الأنظار متجهة صوب الملك لا مجلس أعيانه ولا نوابه وعندما حلت الثورة عرف الناس تأييد وتشجيع الأبرز في الإنقلاب .
وحتى تاريخ الأحزاب في هذا المجتمع لم يكن تاريخاً ذو تأثير على السلوك السياسي للمواطنين بل خلق ايقونات حزبية تُتبع وفي بعض الأحزاب تمت عبادتها ( مجازاً).
مثلاً في انتفاضة تشرين ٢٠١٩ شهدنا أمومة سياسية مختلفة لكن بالضرورة عكست ما يعيشه المجتمع من تردد وخوف من دخول السياسة بغير الشكل التقليدي وأقصد دخولها عبر الاحتجاج , فظهور أم الشهيد مهند القيسي وتكرار مطالبها وعملها لمؤتمر تحدثت فيه عن مطالبتها بحق أبنها وحق دماء الثوار جعلها ممثلة أيقونية تقف في قمة الهرم لينظر إليها لا للالتفاف حولها فعلى الرغم من بلوغ عدد شهداء انتفاضة تشرين ٥٠٠ شهيد وفقا لمؤسسة الشهداء وهم أكثر لا شك , ألا أن عدد الأمهات اللواتي طالبن بدماء أولادهن بالوضوح والجدية التي طالبت بها ام مهند كان شبه لا يذكر . وعلى الرغم من بلوغعدد المختفين قسرياً في العراق بين ٢٥٠٠٠٠ومليون شخص مفقود منذ ١٩٦٨، مما يجعله أحد البلدان التي لديها أكبر عدد من الأشخاص المفقودين في جميع أنحاء العالم ألا أن هذا العدد رغم ضخامته لم يستفز الأمومة السياسية من أجل أن تتنظم وتطالب بمعرفة مصيرهم أو مكان تواجدهم أو حتى المطالبة بتجريم الإختفاء القسري في البلد , وأيضاً تحولت أم الناشط سجاد العراقي،الى ايقونة تتلقى الدعم من الثوار ولكن دون العمل السياسي المنظم معها ونظمت بمساعدة الناشطين مؤتمر وخرجت بمظاهرات لكن بمعزل عن بقية أمهات المختفين قسرياً , وحدث أمر مماثل مع والد المحامي المختطف (علي جاسب )الذي ظل يطالب بحقه في معرفة مصير ابنه ألى أن استُشهد وألى الآن لانعرف بشكل رسمي من قتله ولم تأخذ العدالة مجراها كعادتها .
واجهنا كأمهات منعطفات مؤلمة وقوية ولكن لم ينتج عنها رد فعل سياسي أمومي ؟ لماذا
الميزة في نشاطية أمهات السبت في تركيا أو نساء أمهات الحداد في أيران أو أمهات ميدان دي مايو في الأرجنتين التي نشطت في ظل حكومات وهياكل قمعية مشابهة نوعا ما للتي نعيشها , لم يكن النجاح في تحقيق الأهداف وإنما في الاستمرارية على تكرار النشاط وبنفس التوقيت مع تنوع طرق التعبير عبر الرسم أو المظاهرات والإضرابات وغيرها.
عنصر الاستمرارية أو (اللح سياسيا) وفق ثقافتنا , هو ما يجعل قضاياهن أمام أنظار السلطة التي ستنظر بجدية وحذر تجاه مطالبهن , وليس تسطيحها عبر الظن بأنهن محض مجموعة نسوة ينحبّن ويعدّن الى دورهن كما حدث مع أمهات شهداء سبايكر, وبالرغم من انهن دخلن للبرلمان بإستضافة رسمية لهن تجمعهن لأكثر من مرة بشكل اعتصام لكن الداعم السياسي لهن هو كان من يتحكم بظهورهن معاً أو إختفائهن معاً وتحولت مطالبهن إلى شفقة على حزنهن وليس لثورة معهن ضد نظام مهترئ بأكمله .
ومرد عنصر الاستمرارية في مجاميع الامهات الدائمة كأمهات السبت مثلاً هو التنظيم , فهن لا يمارسن نشاطهن السياسي بشكل عشوائي من حيث نوع النشاط وشكله وتوقيته بل متفق عليه بين المجموعة .
وكبيئاتنا تماماً واجهن التهديد بالتصفية والتعنيف , مع الفارق أنهن هُددن من السلطة الحاكمة بينما المواطنات العراقيات يتهددن من فصائل مسلحة ومليشيات “شرعية” وفق القانون وليست خارجة عنه, فأم الشهيد سجاد العراقي تم إسكاتها و أم الشهيد مهند القيسي)تنقلت لأكثر من بيت حتى تمكنت من تحقيق الأمان لها ولعائلتها خارج العراق و والد المغيب علي جاسب فتمت تصفيته , هم ايقونات نضالية عانت لأنها تُرِكت وحيدة ولأن “الثوار” استنجدوا بأشخاص منكوبين وضعفاء تجاه هذا القهر مثلهم للمطالبة بحق الملايين, مع أن التاريخ يثبت لهم يوم عن يوم بأن طريقتهم غير كفئ .
إن تكرار إحباط المحاولات الفردية للمطالبة بحق معين وخاصة إذا كان هذا الحق سياسياً أو يمس جهات أمنية أو مليشيات مسلحة جعل الناس تفقد الثقة بأنها قادرة أن تصنع تغييراً أو فرقاً لدرجة اليأس من فاعلية أي سلوك ثوري, بل مدعاة للخوف و الشفقة على فاعليه كونهم يرمون بأنفسهم إلى التهلكة . وحتى على صعيد المنظمات لم تستطع منظمة حقوقية أو منظمة نسوية أن تخلق هذا التنظيم السياسي للأمهات من الأسفل أو تساعد في تكوينه كما في رابطة أمهات المخطوفين في اليمن و تجمع امهات الشهداء الفلسطينيين والتي توفر الدعم النفسي الاجتماعي للأمهات , وبالطبع لا يمكن عزل عجز المنظمات عن السياق الذي تعيشه في العراق فتدخلها في الجانب السياسي بطريقة تنظيم الأمهات من الأسفل , تصادم يسهم في حرقها مجتمعياً وعملياً وهو بالأصل لا ينسجم مع رغبتها بالتشكيل الهرمي فغالبية المنظمات تحمل رؤى لتُنفذها لا لتجمع الناس ليطالبوا بحقوقهم ,كما هو الحاصل في المطالبة بإلغاء مقترح تعدل المادة ٥٧ من قانون الاحوال الشخصية العراقي فالمنظمات تتكلم عن المطلقات ومطالبهن لا المطلقات يتحدثن عنها, وخيراً فعلت بالوقت الحالي فعلى الرغم من وجود ١٤٣ ألف مطلقة إلا أنهن لم يظهرن بشكل تكتل واضح للمطالبة بحقهن في الحضانة و اعتمدن على أشخاص معينين للدفاع عن هذا الحق و الأهم أن الغالبية لا تعرف عن المقترح شيئاً . وحتى على صعيد المنظمات التي تتفق بأن هناك حقا المطالبة به أو الدفاع عنه وله رموز مهددة أو معرضة للخطر نجد التشرذم والرغبة بالقيادة والإنقاذ.
مكللاً كل هذا , بخوف النساء من الولوج الى الحيز العام , والانصياع للتخويف من العواقب وخسارة ما تبقى من حقوق ومكتسبات, وبدون حماية فعلية من الرجال الذين يمتلكون امتيازات وجعل القضايا عائدة للأمهات فقط بما أنها مرتبطة بدورهن البيولوجي المتمثل بالإنجاب مضافا اليه عدم الخبرة بممارسة العمل السياسي الميداني لعامة الشعب بغض النظر عن النوع يجعل تجربة هذا النوع من النضال يبدو محفوف بالمخاطر ما لم نتعامل مع تلك التحديات بحكمة , لكن المؤكد أن الأستسلام هذا يجب أن لا يستمر طويلاً عبر ابتكارنا لطرق نضال تتناسب مع حقل الألغام الذي نعيش فيه .