Share This Article
العراق
في مناطق الأهوار، تلعب النساء دورًا حيويًا كشريكات في المصدر الاقتصادي للعائلة، حيث يتجلى ذلك من خلال مشاركتهن في الأنشطة الزراعية، وتربية المواشي، وصيد الأسماك، وصناعة وبيع الحليب والألبان والأجبان، بالإضافة إلى صنع الحرف اليدوية من مواد محلية مثل الخوص والقصب. نساء الأهوار
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأت التحولات المناخية والجفاف في التأثير سلبًا على حياتهن اليومية التي تعتمد بشكل كبير على المياه، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. نتيجة لذلك، قررن العديد من النساء ترك الأعمال التقليدية التي ورثنها عن أسلافهن، وانتقلن إلى مناطق أخرى بحثًا عن وسائل لتوفير لقمة العيش لعائلاتهن.نساء الأهوار
وفي إطار أوسع، شهد العراق خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا في تأثير التغير المناخي، حيث تسببت هذه التغيرات في جفاف ٧٠٪ من الأراضي الزراعية، مما أدى إلى تهجير سكانها إلى المناطق الحضرية بحثًا عن مأوى، بالإضافة إلى جفاف الأهوار وانخفاض مستويات الأمطار. نساء الأهوار
كانت هناك إدارة غير فعالة من قبل الحكومات المتتالية في التعامل مع أزمة المياه، إلى جانب الفشل في مواجهة تحركات دول المنبع مثل تركيا وإيران بشأن بناء السدود التي كان لها تأثير ملموس على المخزونات المائية.نساء الأهوار
في مارس/آذار ٢٠٢٣، أشار محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، إلى أن التغيرات المناخية أثرت سلبًا على سبعة ملايين عراقي.
ويواجه العراق تحديات متزايدة منذ القرن الماضي تتمثل في ارتفاع معدلات الجفاف وزيادة درجات الحرارة، بالإضافة إلى انخفاض المساحات المائية، قلة الأمطار، وعمومًا نقص الموارد المائية. نساء الأهوار
رمضان بين الهجرة والحنين
في ظل أول شهر رمضان بعيدًا عن ديارها في هور الحويزة بمحافظة ميسان، تعيش أم زهرة، البالغة من العمر ٤٦ عامًا، تجربة النزوح إلى قضاء الهندية في كربلاء مع أربع بناتها. تشاركنا تجربتها قائلة: نساء الأهوار
“كانت حياتنا في الهور مستقرة في الأعوام الماضية، حيث كنت أعتمد في معيشتي على ما يُنتجه الجاموس من حليب ومنتجاته، فقد كنت أمتلك ثلاثة منها وكنت الداعم الأساسي لعائلتي بعد وفاة زوجي“. نساء الأهوار
لكن مع التغيرات المناخية اضطرت ام زهرة، لبيع الجاموس بعد أن ضعفت بشدة بسبب الجفاف وانحسار المساحات الخضراء. وهاجرت إلى أقربائها في كربلاء، حيث انها لم تكن الوحيدة التي تركت الهور، فقد تخلى عنه الكثيرون.نساء الأهوار
كانت حياتنا في الهور مستقرة في الأعوام الماضية، حيث كنت أعتمد في معيشتي على ما يُنتجه الجاموس من حليب ومنتجاته، فقد كنت أمتلك ثلاثة منها وكنت الداعم الأساسي لعائلتي بعد وفاة زوجي
و تضيف: “ اشتريت قطعة أرض زراعية بمساحة ٥٠ مترًا، في كربلاء حيث بنيت غرفة لأقيم فيها مع بناتي، وبدأت بالعمل على بسطة لبيع الملابس في شارع الجمهورية كمصدر جديد للرزق“. نساء الأهوار
وتشدد ام زهرة على أن “التغيير في نمط الحياة كان صعبًا عليّ، فالعيش وسط الطبيعة والحيوانات له جمال لا يقارن بحياة المدينة. ومن تعود على حياة الأهوار يجد صعوبة في التأقلم مع بيئة مختلفة. من بيع الحليب الطازج إلى شراء الحليب المصنع، كل شيء تغير. حتى أجواء رمضان هنا مختلفة تمامًا عما كانت عليه في الهور. لكني عازمة على العودة إلى الأهوار فور تحسن الظروف وعودة المياه، حتى لو اقتضى الأمر البدء من جديد“. نساء الأهوار
اشتريت قطعة أرض زراعية بمساحة ٥٠ مترًا، حيث بنيت غرفة لأقيم فيها مع بناتي، وبدأت بالعمل على بسطة لبيع الملابس في شارع الجمهورية كمصدر جديد للرزق
تشير زوزان علي صالح، عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية، إلى أن النساء يتأثرن بشكل كبير بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري، خاصة أولئك اللواتي يعتمدن على الزراعة وتربية المواشي لإعالة أسرهن، نظرًا لتأثر هذه الأنشطة بشكل مباشر بالجفاف ونقص المياه.نساء الأهوار نساء الأهوار
وتضيف صالح أن العديد من النساء واجهن ضغوطًا نفسية كبيرة بعد الانتقال من مناطق سكناهن إلى مدن أو محافظات جديدة بحثًا عن ظروف حياة أفضل. كما لفتت إلى أن الآثار البيئية على النساء في عدة دول كانت شديدة لدرجة أن معدل وفياتهن قد ارتفع بشكل ملحوظ، أكثر بعشرات المرات مقارنة بالرجال. نساء الأهوار
دور اقتصادي قديم وتأثيرات معاصرة
يشير الخبير البيئي، أحمد صالح، إلى تغيرات جوهرية في المكانة الاقتصادية والروحية للمرأة في العراق منذ العصور القديمة، حيث كانت المرأة تمتلك نفوذاً اقتصادياً وروحياً ملموساً، مستشهداً بتقديس السومريين لإلهات الخصب مثل إنانا. ويرى صالح أن تلك القوة والنفوذ قد ورثها أهالي الجنوب، حيث كانت المرأة تلعب أدواراً هامة في الاقتصاد المنزلي والعائلي، مؤثرة بذلك على الروح المعنوية للمجتمع.نساء الأهوار نساء الأهوار
ينوه صالح كذلك إلى التأثير البالغ للتغيرات المناخية على الفئات الضعيفة في المجتمع، مثل النساء والأطفال، الذين يواجهون تحديات في الحفاظ على أعمالهم التقليدية بسبب القدرات الجسمانية المحددة ونقص المياه. على الرغم من ذلك، يسلط الضوء على استمرار بعض النساء في ممارسة مهن كصيد الأسماك في مناطق مثل محافظة ميسان، متحديات الصعوبات البيئية. نساء الأهوار
بالإضافة إلى ذلك، يلفت إلى موجات النزوح الكبيرة من الأرياف إلى المدن أو القرى القريبة بحثاً عن مصادر المياه، مشيراً إلى غياب الإحصائيات الدقيقة حول هذه التحركات. يؤكد صالح على التأثير السلبي للنزوح على النسيج الاجتماعي والعادات والتقاليد المحلية، مع التركيز على تضرر مناطق الأهوار بشكل خاص، وهو ما يعكس التحديات البيئية والاجتماعية المتزايدة التي تواجهها هذه المجتمعات.نساء الأهوار نساء الأهوار
يبين صالح أن هناك عدة أهوار تعرضت لأضرار كبيرة وشهدت حالات نزوح متعددة، وتشمل هذه الأهوار هور الخمس، العودة، البطاط، العظيم، الصحين، وجزء من هور الحويزة في ميسان. كما تضمنت قائمة المناطق المتضررة في ذي قار الجبايش والحمار، بالإضافة إلى الحمار الشرقي والمناطق المجاورة له حتى الأهوار القريبة من حقول مجنون في البصرة. نساء الأهوار
وفي هذا السياق، ذكر حسين فرج محمد، ممثل عن عائلات النازحين في محافظة البصرة جنوب العراق أن البصرة تشهد نزوحاً متواصلاً نتيجة لظاهرة التصحر والجفاف. وأضاف أنه في اليومين الماضيين، اضطرت عائلات في شمال المحافظة للنزوح، وقد وثقت وزارة الهجرة والمهجرين نزوح ٩٥٠ عائلة حتى الآن، فيما لم يتم تسجيل ٤٥٠ عائلة نزحت منذ مطلع العام الجاري ٢٠٢٤.نساء الأهوار نساء الأهوار
كما أشار محمد إلى أن منطقة نهر العز، ال كائنة شمال محافظة البصرة، تعد من بين المناطق الأكثر تضرراً من الجفاف.
النساء المتضرر الأكبر
النساء في مناطق الأهوار هن المتأثرات الأكبر جراء الجفاف وتغيرات المناخ، حسبما يقول رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، رعد حبيب الأسدي. يشير الأسدي إلى أن هذه النساء يُعتمد عليهن بشكل مباشر أو غير مباشر في حياتهن اليومية وفي أعمال تربية المواشي والصناعات اليدوية، التي تعتمد بشكل كبير على المياه ومصادرها.نساء الأهوار نساء الأهوار
ويؤكد الأسدي أن ثلاث محافظات رئيسية (البصرة وذي قار وميسان) تأثرت بشكل كبير بالتغير المناخي، مما أدى إلى فقدان العمل للعديد من النساء اللواتي كن يعتاشون من صيد الأسماك وتربية الجاموس وبيع المنتجات اليدوية. نساء الأهوار نساء الأهوار
ومنذ عام ٢٠٢٠ إلى عام ٢٠٢٤، توفي أكثر من ٦ آلاف رأس جاموس في منطقة الأهوار، وتعرضت قطعان أخرى لعمليات ذبح جائر، مما أدى إلى فقدان بعض النساء فرص عملهن في صناعة الأجبان والألبان، والتي تُعتبر جزءًا أساسيًا من مصدر رزقهن وحياتهن اليومية.نساء الأهوار نساء الأهوار
ويرجح الأسدي الأسباب إلى السيطرة على منابع المياه من قبل دول الجوار وبناء السدود، سواء في تركيا أو إيران أو سوريا، مما أدى إلى تناقص مناسيب المياه بشكل كبير في العراق، الذي يواجه أزمات حادة بسبب نقص المياه، خاصة بعد بناء سد اليسو في تركيا والسدود التركية الأخرى على الروافد الرئيسية.نساء الأهوار نساء الأهوار
يحتاج العراق الذي دُمِّر عبر عقود من الصراع والعقوبات إلى استثمار ١٨٠ مليار دولار على مدى العقدين المقبلين في البنية التحتية وبناء السدود ومشاريع الري – بحسب البنك الدولي لمعالجة هذه المشكلة، إذ تشير توقعات “مؤشر الإجهاد المائي” لعام ٢٠١٩ إلى أن العراق سيكون بلا أنهار بحلول عام ٢٠٤٠، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي. نساء الأهوار نساء الأهوار
من نهر دجلة إلى المأساة: الإبحار في أنهار العراق المتلاشية