Share This Article
العراق
كانت أكبر الأراضي المائية في الشرق الأوسط التي يطلق عليها اسم “جنة عدن” بسبب خصوبة ارضها، لكن اهوار الحويزة في العراق بسبب سنوات من الجفاف المستمرة و النقص الحاد في المياه، وهو الأسوأ منذ 40 عاماً، ذات التأثير المدمر على سبل عيش النساء والأسر المتبقية التي تعيش هناك. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
ليلى علي ٣٥ عامًا، ببشرة اغمقتها الشمس و بنية قوية تميز النساء اللاتي اعتدن الصيد وتربية الجاموس، من أهوار الحويزة في جنوب العراق. بملابسها التقليدية، مع عباءة سوداء حول خصرها. حيث يتعين عليها المشي لمسافات طويلة لحصد العشب الذي ينمو بعيدًا عن مسكنها لإطعام جواميسها والتي تعاني في ظل الجفاف المستمر من الجوع الشديد. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
تصف ليلى، “كنت أكسب ٥٠ الف دينارًا عراقيًا (34 دولارًا أمريكيًا) كل يوم، لكنني قد لا أحصل على حتى اقل من ٢٠ الف دينار عراقي (14 دولارًا أمريكيًا) لأن كلتا جواميسي أصبحتا ضعيفتين ولا أستطيع الحصول إلا على كمية أقل من الحليب الذي كنت أصنع منه منتجات الألبان لبيعها في المدينة”. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
تواصل حديثها “إذا استمر الجفاف، فإنني مٌهددة بخسارة مصدر رزقي وخسارة أطفالي. ليس لدينا أي دعم مالي آخر منذ أن فقدت زوجي الذي قُتل قبل عام في انفجار قنبلة“. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
وبالإضافة إلى العشب والأعلاف، تضطر ليلى والعديد من النساء في الأهوار أيضًا إلى حمل زجاجات المياه النظيفة لأسرهن لمسافات طويلة. وهذا يزيد من الضغط على صحتهن ويعرضهن لخطر التحرش والعنف من قبل الرجال، أثناء بحثهن عن لقمة العيش. و نتيجة الهجرة وانعدام الأمن في هذه المناطق سيواجه الكثير منهن خطر الإجهاض أو الإصابة بالعدوى بسبب مشكلات تتعلق بالنظافة والحماية الصحية خلال الحمل أو الحيض أثناء سعيهن للحصول على مياه نظيفة.
إن فقدان قدرة النساء على المشاركة في الأنشطة التي ساعدت على إعالة أسرهن منذ عقود مضت مثل صنع وبيع منتجات الألبان يعني زيادة الاعتماد على الرجال الآن لتلبية الاحتياجات الأساسية. لكن مصادر العيش أصبحت محدودة جداً بالنسبة للرجال أيضاً، والعديد منهم غير قادرين على العمل. وهكذا تجد عائلات الأهوار التي نزحت بسبب الجفاف نفسها في حالة من الفقر الشديد. وهذا بدوره يعرض النساء والأطفال لخطر العنف المنزلي من جانب الرجال الذين ينفسون عن غضبهم بسبب فقدان الدخل على النساء. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
وأفادت منظمة اليونيسيف في أغسطس 2021 أن 60% من الأطفال في العراق يفتقرون إلى المياه النظيفة، في حين أن نصف المدارس لا تحصل على المياه على الإطلاق. ومع توقع تضاعف عدد سكان العراق البالغ 40 مليون نسمة بحلول عام 2050، فإن النمو الديموغرافي سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل كبير. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
منذ القدم، قامت النساء في الأهوار بتربية الجواميس، حيث كانن مسؤولات عن إعالة أسرهن. و استخدمت النساء حليب الجاموس لصنع منتجات الألبان.
“المشحوف”، وهو قارب تقليدي يشبه الزورق، كان يوفر لهم وسيلة النقل بين الأهوار. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت النساء قصب الأهوار لصنع الأسطح والمظلات والمراوح اليدوية والأطباق والسلال وكمواد أولية للبناء. وكانت تلك النساء تبيع الأسماك ومنتجات الألبان والمواد اليدوية المصنوعة من القصب في المدن، إلا أن أنماط حياة النساء وتفاعلهن مع البيئة تغيرت بشكل كبير منذ جفاف الأهوار، مما أدى إلى تراجع الممارسات التقليدية التي كانت موجودة كإرث لثقافة الأهوار لأجيال.
ولن يتعلم الجيل الجديد من الفتيات الصغيرات في الأهوار بعد الآن هذه العادات الراسخة لتوفير سبل العيش لأنهن لن يتمكن من العودة إلى الأهوار بعد الجفاف. المعرفة موجودة فقط لدى الجيل الأكبر سناً من الجدات، اللاتي توقفن على أي حال عن ممارسة هذه المهارات والحرف التقليدية بسبب نقص المواد اللازمة، حيث انخفض إنتاج القصب بشكل حاد بسبب الجفاف. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
تقول أمل حسين، ٤٠ عاماً، من ميسان جنوب العراق، والتي اضطرت للانتقال إلى البصرة جنوب العراق مع آخر جاموستين لديها، إن “الأنشطة اليومية التي كانت تمارسها نساء الأهوار أصبحت أكثر صعوبة في ظل التأثيرات لتغير المناخ في الأهوار. والنساء هن أول من يعاني من نقص المياه بسبب الجفاف. وقد أثر ذلك على تربية الجواميس وانخفاض أعدادها، حيث أن الجواميس حساسة لنوعية المياه ودرجة الحرارة المرتفعة”. وفي نهاية المطاف، تقول: “مع حرمان مجتمعات الأهوار من المياه النقية، أدى ذلك إلى هجرة آلاف العوائل للانتقال إلى المناطق الحضرية في ميسان والبصرة”. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
و بسبب الهجرة تغير نمط حياة نساء الأهوار، إذ اضطررن للبقاء في بيوت الصفيح والخيام بدلاً من القصب الذي اعتدن عليه سابقاً، من أجل الاهتمام بالأنشطة المنزلية والأطفال أثناء خروج الرجال للبحث عن مصادر لكسب الرزق.
لقد أصبحت الهجرة المناخية حقيقة واقعة في العراق. في نهاية عام ٢٠٢١، سجلت المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من ٢٠ ألف شخص نزحوا بسبب ندرة المياه (في ١٠ محافظات فقط من محافظات العراق الـ ١٩)، وارتفاع الملوحة، وسوء نوعية المياه في جميع أنحاء البلاد. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
في الأهوار، حيث كانت تربية جواميس الماء هي أسلوب الحياة لأجيال عديدة، لم يبق سوى أرض قاحلة لتشهد ويلات تغير المناخ. ومع ارتفاع درجات الحرارة لعدة سنوات متتالية، تراجعت مستويات هطول الأمطار وتدفق المياه، وتضاءلت سبل عيش مربي الجاموس، الذين يعتمدون على المياه كمصدر أساسي لعيشهم. ويقول العديد من رعاة الجاموس في أهوار الحويزة إن ماشيتهم نفقت. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
وهذا العام، أجبر النقص الحاد في المياه، وهو الأسوأ منذ ٤٠ عاما، العديد من رعاة الجاموس على مغادرة منازلهم والهجرة إلى المدن الحضرية للبحث عن عمل، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة.
قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27) في مصر العام الماضي، وجدت دراسة أجراها المجلس النرويجي للاجئين (NRC) أن العراق شهد السنة الثانية على التوالي من الجفاف وسجل مستويات منخفضة قياسية من هطول الأمطار في جميع أنحاء البلاد. وعلق المدير القطري، جيمس مون قائلاً: “إن تفاقم أزمة المناخ والمياه ينذر بكارثة للمناطق التي اعتمدت منذ فترة طويلة على الزراعة والمياه كمصدر رئيسي للدخل وسبل العيش”. وتابع أن الخوف هو أن “مجتمعات الأهوار في العراق ستضطر إلى ترك أراضيها إلى المناطق الحضرية بحثا عن مصادر بديلة للدخل، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من المشاكل الاقتصادية والأمنية في المناطق الحضرية”. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
وفي حين تمكنت العديد من الأسر في الأهوار من الحفاظ على ماشيتها، وخاصة الجاموس، إلا أن ذلك يتم على نطاق أقل بكثير. ويبدو أن هذا النشاط لم يعد مستداما لأن الجواميس غالبا ما تمرض بسبب المياه الملوثة وتموت. وبما أن العلف أصبح أقل بكثير الآن، فقد بدأ العديد من المربين في بيع أحد قطيعهم من أجل شراء علف الماشية والمياه للجاموس الآخر.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن ندرة المياه يمكن أن تتسبب في خسارة اقتصادات المنطقة ما بين ستة إلى ١٤% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام ٢٠٥٠. ويزعم تقرير المناخ والتنمية الذي أصدره البنك الدولي الشهر الماضي أن “التنمية متعددة الأبعاد وأزمة المناخ تلوح في الأفق”. وقالت منظمة” باكس” إن ٤١% من مناطق الأهوار عانت من انخفاض منسوب المياه والرطوبة، مشيرة إلى التأثير الكارثي على أكثر من ٦٠٠٠ أسرة “تفقد جواميسها”.
واستجابة للاحتياجات العاجلة لمجتمعات الأهوار، وقعت حكومة السويد، في نوفمبر من العام الماضي، من خلال وكالة التنمية (سيدا) ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، اتفاقية مدتها أربع سنوات بقيمة ١١٢ مليون كرونة سويدية (دولار أمريكي). (١٠.٢ مليون دولار) اتفاقية لتعزيز القدرة على الصمود أمام تغير المناخ للأسر الزراعية الضعيفة في أربع محافظات. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
توصلت الأبحاث التي أجرتها المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إلى أن ما يقدر بنحو ٨ بالمائة من الأسر في جنوب العراق (٣ بالمائة في البصرة، و١٣ بالمائة في ، و١٣ بالمائة في ميسان) تعتمد بشكل كامل على الزراعة أو تربية الماشية أو صيد الأسماك و ليس لديهم مصدر بديل للدخل (مثل العمل في الحكومة أو قوات الأمن)، أي ما يعادل حوالي ٧٥,٠٠٠ شخص. المخاطر واضحة. في كثير من الأحيان، يقترن التخلي عن الزراعة بالهجرة، وتشير ٢٠ بالمائة من الأسر في جنوب العراق التي تخلت عن الزراعة إلى أن أحد أفرادها هاجر في السنوات الخمس الماضية (وهو معدل أعلى بكثير من الأسر غير الزراعية) بينما وفقًا لتقرير المنظمة الدولية للهجرة، فإن ٣٠ بالمائة آخرين تشير إلى تفضيل للهجرة. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
وهذا ما يشعر به سكان المنطقة بشدة. تقول حليمة البالغة من العمر ٥٠ عاماً والتي ولدت في خيمة من القصب في أهوار الحويزة بمحافظة ميسان: “أشعر وكأنني فقدت أطفالي بسبب الجفاف”. لم تجرب حليمة العيش بعيدًا خارج حدود الماء والقصب وكانت وظيفتها الرئيسية في الحياة هي صناعة الحصير من القصب الذي يجمعه زوجها حيث اعتاد الناس أن يأتوا من مناطق مختلفة من العراق لشراء الحصير، لكنها توضح أنها اضطرت للتخلي عن حرفتها بعد جفاف الأهوار و قالت “لم تعد هناك وسائل نقل بالقوارب كما كان من قبل. إضافة إلى حرائق القصب المستمرة نتيجة الجفاف الذي قضى على معظم القصب في الأهوار”
وتضيف: “لقد اختفت جميع القصب في منطقتنا. لقد فقدت خمسة من جواميسي الثمانية. أشعر وكأنني فقدت أطفالي بسبب الجفاف. كما يكافح زوجي وابننا أيضًا لإطعام الجواميس الثلاثة الأخرى“.صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
حليمة، التي تعيش الآن بالقرب من ضفاف النهر، بالقرب من الأهوار، مع ابنها مصطفى البالغ من العمر ٢٠ عامًا، والذي يعمل في البناء في المدينة ولكن حتى بعد انتقاله، لا يزال لا يحصل على أجر جيد. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
نحن مثل الأسماك التي لا تستطيع العيش خارج الماء
”آمل أن أعود إلى وطني. تقول حليمة: “نحن مثل الأسماك التي لا تستطيع العيش خارج الماء“. لديها أمنية واحدة متبقية أن تتمكن من العودة والعيش مرة أخرى في الأهوار. صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
تم كتابة هذا التقرير وإنتاجه كجزء من برنامج تنمية المهارات الإعلامية من قبل مؤسسة تومسون رويترز.
صراع النساء الاهواريات مع التغير المناخي في العراق
أزمة الكهرباء في العراق والدور المتوقع لحلول الطاقة المتجددة